إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الاثنين، 8 فبراير 2016

بحث حول الرحالة العرب في المغرب العربي



مقدمـــــــــــــــــة

عرف الإنسان الرحلة أو الترحال والتنقل بفطرته التي جبل عليها منذ بدء الخليقة، منذ هبط آدم وحواء إلى الأرض ليعبدوا الله وليعمرا بأولادهما الأرض، وينتشروا فيها بسعيهم وراء مصادر الماء، التي بدورها ستوفر لهم إمكانية الزراعة والشرب وتوفر مصادر الرزق لهم ولحيواناتهم. 
وكثيرا ما كانت الطبيعة تؤرقه، وتشغل باله فيقضى ساعات طويلة يتأمل فيها، وكثيرا ما كانت تفاجئه برياح عاتية أو رعد وبرق أو ما هو أفظع، كارثة طبيعية تجعله يفر، يلملم أغراضه ويرحل لمكان آخر يلتمس فيه بعض الأمن وبعض العزاء عما يكون قد فقده بسبب هذه الطبيعة الغامضة التي يبيت يفكر في أسرارها عله يأمن بعض أشرارها. ومن هنا نأتي إلى تذكر المقولة الشهيرة بأن في السفر تسع فوائد: منها الرزق، وتحصيل العلم، واكتساب الخبرات، والترفيه، ورؤية بلاد جديدة، واكتساب مزيد من العزة عند الأهل، والاستشفاء في حالة المرض، لا قدر الله.
لم تظهر الكتابة عن الرحلة إلا ربما فيما بعد الهجرة النبوية، والفتوحات الإسلامية، وازدهار الحضارة العربية وثقافتها، فظهرت كتابات عن رحلات قام بها رحالة عرب، حيث ظهر أدب الرحلات ليشكل أحد أهم تجليات الثقافة في ذلك العصر، وليجوب بعض الرحالة العرب بلادا عربية تجاور بلادهم بل وصل بعضهم إلى بلاد غير عربية وبعيدة كالصين والهند وبلاد ما وراء النهر وتركيا وغيرها. 
وقد أدى الرحالة العرب مهمة سامية للأجيال القادمة، إذ أسهمت كتاباتهم لأدب الرحلات في نقل كثير من الصور الجميلة والمشاهد المميزة لتلك البلاد وطبيعتها الجغرافية، وظروفها المعيشية وألقوا الضوء على تاريخ هذه البلاد وأفكار سكانها وعادات وتقاليد قد تختلف وقد تتفق مع عادات البلاد التي جاء منها هؤلاء الرحالة، فأسهموا بذلك في نقل بعض ثقافات الشعوب الأخرى، وإثارة الاهتمام بها وتشجيع المهتمين من العلماء وطلبة العلم على زيارة تلك البلاد للنهل من معارفها وعلومها. 
ظهرت الرحلة في نقوش مصرية قديمة تحكى عن (بلاد بُنت) في عهد الملكة حتشبسوت، وذكرت الرحلة في القرآن في سورة الفيل مما يدل على معرفة الإنسان لها منذ القدم.و لعل أدب الرحلة بمفهومه هو فن التعبير عن مشاعر تختلج فى نفس الأديب المغترب تجاه كل ما يراه ويعايشه ويقرأه عن ملامح بلد أجنبى بعادات، وتقاليد سكانه، وخلفيته السياسية والثقافية والإجتماعية وأحداث يعايشها الأديب ومواقف تأثر بها، وهموم عانى منها في ذلك البلد الأجنبي طالت أم قصرت مدة إقامته فيها، والتعبير عن كل ذلك بأسلوب أدبي شائق يغري القارىء بمواصلة القراءة من أول لآخر سطر، دون ملل أو كلل. ورغم أن لأدب الرحلات سمات وخصائص تميزه كما سبق أن ذكرت، إلا أن أهم ميزة من وجهة نظري هي الحرية، حرية الأديب في أن يكتب كيفما شاء، يضحكنا تارة ويبكينا تارة أخرى، وقد نشعر أحيانا أننا بصدد قصة قصيرة، و قد نقرأ شعرا، أو نشعر وكأننا طرفا في نقاش أو موجودين مع الأديب في نفس الأحداث، نتفاعل معه فيها. مدى نجاح الأديب في كتابته في أدب الرحلة بصفة خاصة يتوقف في نظري على كم التعايش الوجداني الذي يخلقه في قلب وضمير القارئ، فكلما تأثر القارئ أكثر واندمج في أحداث القص، كان ذلك برهانا على قدرة الكاتب وتميزه في كتابته
أشهر الرحالة العرب :
ابن فضـلان 
 
صاحب كتاب رسالة ابن فضلان، ولد في القرن العاشر الميلادي، أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله من بغداد إجابة لملك الصقالبة - في روسيا - لتعليمه الإسلام وبناء مساجد وحصن له من أعدائه، فأرسل ابن فضلان على رأس وفد العلماء والفقهاء وأمضى 3 سنوات من (921- 924) في بلاد الروس والصقالبة والخرز والاسكندنافيه. 

ابن جبـــــــــير
 
صاحب كتاب تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار، عرف بـ :رحلة ابن جبيروهو من الأندلس، اسمه محمد بن أحمد بن جبير الكناني، المعروف بابن جبير ولد في بلنسية بأسبانيا سنة 540 هـ (1145) وتعلم على يد أبيه وغيره من العلماء في عصره، ثم استخدمه أمير غرناطة أبو سعيد بن عبد المؤمن ملك الموحدين في وظيفة كاتم السر فاستوطن غرناطة. 
وكان الأمير أبو سعيد استدعاه يوما ليكتب عنه كتابا وهو يشرب الخمر، فأرغم ابن جبير على شرب سبعة كئوس من الخمر وأعطاه سبيعة أقداح دنانير، لذلك صمم ابن جبير على القيام برحلة الحج بتلك الدنانير تكفيرا عن خطيئته، وأقام في سفره سنتين ودوَّن مشاهداته وملاحظاته في يوميات، حوالى سنة 582هـ/ (1186) وتداول كتابه الشرق والغرب حتى قام المؤرخ والمترجم الإنجليزى ويليام رايت بنشره وطبعه في كتاب جمع عددا كبيرا من الرحلات لرحالة وحجاج عرب وأجانب مسلمين ومسيحيين ويهود). 
العلامة الإدريسي :
 
صاحب كتاب :نزهة المشتاق في اختراق الآفاق،للإدريسي، واسمه أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس. 
أحد كبار علماء الجغرافيا، كما أنه كتب في التاريخ، والأدب، والشعر، والنبات ودرس الفلسفة، والطب، والنجوم، في قرطبة. ولد في مدينة سبتة شمال المغرب عام 493 هـ (1100) و مات عام 560 هـ (1166). زار الحجاز ومصر. وصل سواحل فرنسا وإنكلترا. سافر إلى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى. استخدمت خرائطه في سائر استكشافات الرحالة الغربيين في عصر النهضة الأوربية، حيث حدد في خرائطه التي نشرت بكتابه اتجاهات الأنهار والمرتفعات والبحيرات، ومنابع نهر النيل وضمنها أيضًا معلومات عن المدن الرئيسية بالإضافة إلى حدود الدول. 
انتقل الإدريسي إلى صقلية بعد سقوط الحكومة الإسلامية، لأن ملكها في ذلك الوقت :روجر الثاني كان محباً للمعرفة، فشرح الإدريسي لروجر موقع الأرض في الفضاء مستخدمًا في ذلك البيضة لتمثيل الأرض، شبه الإدريسي الأرض بصفار البيضة المحاط ببياضها تماما كما تهيم الأرض في السماء محاطة بالمجرَّات. 

الرحالة ابن بطوطة :
 
يعتبر ماركو بولو أشهر رحالة العالم في العصور الوسطى. فقد كان رجلاً استثنائياً خرج في مغامراته إلى أراض بعيدة مجهولة واستكشف أرجاء مثيرة من العالم في أسفاره ليسرد لنا قصة رائعة عن تجاربه مع شعوب وثقافات غريبة. لكن كم منا يا ترى يعرف أن رجلاً آخر عاش في الفترة ذاتها تقريباً التي عاش فيها ماركو بولو غير أنه سافر أكثر منه؟ إنه ابن بطوطة, الرحالة العربي الذي فاق كل رحالة عصره وقطع حوالي 75 ألف ميل تقريباً في أسفاره. كما أنه أيضاً الرحالة الوحيد في العصور الوسطى الذي رأى بلاد كل حاكم مسلم من حكام عصره.
في رحلته التي أراد منها أن يحج إلى مكة, زار ابن بطوطة خلالها شمال أفريقيا وسورية. ثم خرج يستكشف باقي الشرق الأوسط وفارس وبلاد الرافدين وآسيا الصغرى. ووصل إلى شبه القارة الهندية وأمضى هناك قرابة عقد في بلاط سلطان دلهي الذي أرسله سفيراً له إلى الصين.
بعد 30 عاماً من الترحال والاستكشاف, قرابة عام 1350, بدأ ابن بطوطة طريق عودته إلى وطنه. وأخيراً عاد إلى مدينة فاس في المغرب. وهناك, في بلاط السلطان ابن عنان, قرأ أوصاف ما رآه في أسفاره على ابن الجوزي. الذي خط منها كتاباً. وهذا الكتاب موجود بين أيدينا اليوم ويعرف بعنوان "رحلات ابن بطوطة".
يتحدث كتاب الرحلات عن المغامرات التي عاشها ابن بطوطة في أسفاره. فخلالها تعرض للهجوم مرات كثيرة, وفي إحداها كاد يغرق مع السفينة التي يستقلها, وفي أخرى أصبح على وشك أن يلاقي مصيره إعداماً على يد أحد الزعماء الطغاة. كما تزوج عدداً من المرات وعرف أكثر من عشيقة, الأمر الذي جعل منه أباً للعديد من الأبناء أثناء سفره.
من طنجة للعالم في 30 عاماً
ولد ابن بطوطة في طنجة بالمغرب عام 1304 لعائلة عرف عنها عملها في القضاء. وفي فتوته درس الشريعة وقرر عام 1325, وهو ابن 21 عاماً, أن يخرج حاجاً. كما أمل من سفره أن يتعلم المزيد 
عن ممارسة الشريعة في أنحاء بلاد العرب.

في أول رحلة له مر ابن بطوطة في الجزائر وتونس ومصر وفلسطين وسوريا ومنها إلى مكة. وفيما يلي مقطع مما سجله عن هذه الرحلة:
"كان خروجي من طنجة مسقط رأسي... معتمداً حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام, منفرداً عن رفيق آنس بصحبته, وركب أكون في جملته, لباعث على النفس شديد العزائم, وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة... فجزمت نفسي على هجر الأحباب من الإناث والذكور, وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور, وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً, ولقيت كما لقيا نصباً."
في تلك الأيام الخوالي, كان السفر عبر هذه المسافات الشاسعة والمغامرة بدخول أراض غريبة مجازفة. غير أن ابن بطوطة كانت لديه الجرأة, أو على الأقل العزم, بما يكفي للشروع في رحلته وحيداً على حمار. وفي الطريق, التحق بقافلة من التجار, ربما بدافع السلامة, وكانت القافلة تتكاثر مع الطريق بانضمام المزيد إليها. ومع وصولهم القاهرة كان تعداد القافلة قد بلغ عدة آلاف من الرجال ولم يتوقف بعد عن الازدياد. ولابد أن ابن بطوطة قد أحس بإثارة بالغة لتقدم رحلته. فقد كانت أول تجاربه المباشرة في تعلم المزيد عن أكثر ما يهواه, وهو دار الإسلام. فقد قابل علماء المسلمين واكتسب مزيداً من المعارف الدينية والشرعية.
الجزائر وليبيا
حين وصولهم إلى الجزائر, أمضت القافلة بعض الوقت خارج أسوار المدينة لينضم إليها مزيد من الحجيج. وعند مدينة بجاية, تدهورت صحة ابن بطوطة. غير أنه بقي عازماً على مواصلة المسير وعدم التخلف عن الركب بسبب صحته. ومشيراً إلى هذا الحادث يقول: "إذا ما قضى الله أجلي, فسيكون موتي على الطريق, ميمماً وجهي شطر مكة." 
وأثناء مسيرة القافلة في أراضي ليبيا, وجد ابن بطوطة أن من المناسب له أن يتزوج ابنة تاجر تونسي مسافر معهم في القافلة إلى الحج. وقد تزوجها ابن بطوطة في مدينة طرابلس, غير أن الزواج لم يعمر طويلاً بسبب خصومته مع حميه الجديد. لكن على ما يبدو لم يزعج هذا ابن بطوطة كثيراً فسرعان ما خطب فتاة أخرى هي ابنة حاج من فاس. وفي هذه المرة كان حفل الزفاف يوماً كاملاً من الاحتفالات.
مصر وسوريا
بدأت القافلة تقترب من مصر. وقد أذهلت القاهرة ابن بطوطة, إذ كانت كما هي اليوم, أكثر المدن العربية صخباً ونشاطاً ولهذا قرر أن يمضي فيها بضعة شهور. إذ لا يزال على موعد الحج على أية حال ثمانية شهور. كانت القاهرة كما وصفها ابن بطوطة "أم المدن, سيدة الأرياف العريضة والأراضي المثمرة, لا حدود لمبانيها الكثيرة, لا نظير لجمالها وبهائها, ملتقى الرائح والغادي, سوق الضعيف والقوي... تمتد كموج البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم..."
بقي ابن بطوطة في القاهرة قرابة شهر. وحين رحيله عنها قرر أن يسلك طريقاً غير مباشر إلى مكة مادامت شهور عديدة تفصله عن موعد الحج. ومضى إلى دمشق, التي كانت حينها العاصمة الثانية للدولة المملوكية في مصر. لم يكن هذا الجزء من رحلة ابن بطوطة مليئاً بالأحداث, ربما لاستتباب الأمن فيه نسبياً في عهد المماليك. لكن دمشق سحرت ابن بطوطة بجو التسامح والتعاضد الذي يسود فيها. وعنها يقول: "تنوع ونفقات الأوقاف الدينية في دمشق تتجاوز كل حساب. هناك أوقاف للعاجزين عن الحج إلى مكة, ومنها تدفع نفقات من يخرجون للحج نيابة عنهم. وهناك أوقاف أخرى توفر أثواب الزفاف للعرائس اللائي تعجز عوائلهن عن شرائها, وأوقاف أخرى لعتق رقاب السجناء. وهناك أوقاف لعابري السبيل تدفع من ريعها أثمان طعامهم وكسائهم ونفقات سفرهم لبلدانهم. كما أن هناك أوقافاً لتحسين ورصف الدروب, لأن كل الدروب في دمشق لها أرصفة على جانبيها يمشي عليها الراجلون, أما الراكبون فيمضون في وسط الدرب."
أخيراً مضى ابن بطوطة للحج. وبعد قضائه مناسك الحج, أدرك أن نفسه تواقة أكثر من أي وقت مضي لمواصلة الترحال. ولم يكن لديه بلاد بعينها يريد أن يقصدها, بل كان هدفه الوحيد هو زيارة قدر ما يستطيع من البلدان, لكنه توخى أن يعبر دروباً مختلفة. وهكذا تنقل في الشرق الأوسط بأكمله, من إثيوبيا جنوباً إلى فارس شمالاً. "ثم سافرنا إلى بغداد, دار السلام وعاصمة الإسلام. فيها شاهدت جسرين كالذي في الحلة, يعبرهما الناس صباح مساء,رجالاً ونساء. الدروب إلى بغداد كثيرة ومعمرة بإتقان, معظمها مطلي بالزفت من نبع بين الكوفة والبصرةيفيض منه بلا انقطاع. ويتجمع على جوانب النبع كالطين فيجرف من هناك ويؤتى به إلى بغداد. في كل معهد ببغداد عدد من الحمامات الخاصة به, وفي كل منها جرن اغتسال عند أحد أركانها يتدفق الماء فوقه من صنبورين أحدهما للماء الساخن والآخر للبارد. ويعطى كل مغتسل ثلاث مناشف, واحدة ليلفها حول خصره حينما يدخل والأخرى ليلفها حول خصره حينما يخرج والثالثة ليجفف بها جسده."
ثم توجه ابن بطوطة شمالاً ليستطلع بحر قزوين والبحر الأسود وجنوب روسيا. لكن أسفاره اللاحقة الأكثر متعة كانت إلى الشرق في آسيا. فقد قصد الهند حيث نال هناك إعجاب الإمبراطور المغولي لمعارفه وقصصه. وعرض الإمبراطور على ابن بطوطة منصباً في بلاطه فقبله. وهذا ما أتاح له الفرصة ليجوب كل أنحاء الهند. وبعد اكتسابه معرفة وفيرة ببلاد الهند لكثرة أسفاره فيها, أرسله الإمبراطور سفيراً للهند إلى الصين. وكان مقدراً لهذه الرحلة أن تكون الأخيرة قبل عودته ابن بطوطة لوطنه. فرغم بعد المسافة قرر أن يقصد المغرب. وقد وصل شمال غرب إفريقيا عام 1351. وقبل عودته أخيراً إلى فاس في المغرب عام 1353 خرج في رحلة صغيرة إلى إسبانبا ثم في سفرةجنوبية إلى الصحراء الكبرى.
الوطن وكتاب الرحلات
في فاس, أعجب سلطان المغرب ابن عنان (1348- 1358 تقريباً) جداً بأوصاف البلاد التي قصها عليه ابن بطوطة وأمره بأن يلزم فاس ويضع هذه القصص في كتاب. وفعلاً, بمساعدة كاتب طموح هو ابن الجوزي الكلبي (1321- 1356 تقريباً), ألف ابن بطوطة كتابه الشهير "الرحلات" في أربعة أجزاء منفصلة. وربما كان ابن الجوزي قد أضاف للكتاب قليلاً من العنصر القصصي بين الحين والآخر بهدف التشويق وسهولة التواصل مع القراء, لكن يعتقد عموماً أنه التزم تماماً بما سرده ابن بطوطة عليه. غير أن الغريب هو أن كتاب "الرحلات" لم يكتسب شعبية في الغرب إلا مؤخراً نسبياً, في القرن التاسع عشر, حينما ازداد التواصل مع أوروبا وقدم الكتاب هناك ليترجم إلى الإنجليزية والفرنسية واللغات الأوروبية الأخرى. ويقدر الباحثون الأوروبيون كتاب الرحلات عالياً باعتباره وثيقة تاريخية مهمة.
بعد انتهائه من كتاب الرحلات. لم يخرج ابن بطوطة, الذي تقدم في السن, بأي رحلة مطولة لا إلى الصحاري ولا غيرها. بل أخذ يعمل في القضاء ويواصل نشر ما اكتسبه من حكمة خلال أسفاره. ورغم عدم توفر معلومات وافية عن السنوات الأخيرة من عمره, إلا أننا نعرف أنه توفي عن عمر 65 عاماً. وبعد سنين طويلة من وفاته ظل ابن بطوطة صاحب أطول أسفار في العالم. واليوم حصل ابن بطوطة على التقدير الذي يستحقه بجدارة في عالم الاستكشاف. فلتخليد انجازاته الفريدة في الأسفار, أطلق علماء العصر اسم ابن بطوطة على إحدى الفوهات البركانية على سطح القمر. 

مدن المغرب العربي بأقلام الرحالة العرب :
الجزائر العاصمة
 
عاصمة لـلقطر الجزائري منذ زهاء خمسة قرون، وقد تنقلت عاصمة القطر الجزائري (المغرب الأوسط قبل ذلك بين مدائن: تيهرت والقلعة، وبجاية، وتلمسان.
وكانت الجزائر في القديم تحمل اسم "ايكسيوم" أو "اقسيوم"، وقد أسسها هركول الفينيقي وأصحابه العشرون فردا، ولذلك سميت بهذا الاسم الذي يدل باللغة اليونانية القديمة على عدد عشرين إشارة إلى بناتها "وكانت ،المدينة، أيام الاحتلال الروماني قليلة الأهمية، ثم خربت أثناء هجمات الوندال وثورات البربر، وأصبحت مستقرا لقبيلة بربرية تدعى "بني مزغنة" بكسر الميم والغين وسكون الزاي وتشديد النون"، وفي منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أسس ُبلكّين بن زيري بن َمنّاد الصنهاجي في عهد والده وبأمر منه مدينة سماها "جزائر بني مزغنة" وقد بنيت على أنقاض المدينة الفينيقية السالفة الذكر وكان موقعها على ما حققه علماء الآثار في سفح القصبة أي في ساحة الشهداء والجامع الأعظم المالكي. ، »وأخذ نمو الجزائر يتزايد إلى أن هاجمت القبائل العربية (الهلاليون) سهول متيجة فاستولت قبيلة الثعالبة على جزائر بني مزغنة وسكنتها، ولم ضعفت الدولة الزيانية وتكالب الأسبان على سواحل إفريقيا، احتلوا الجزائر وأسس (بيدرو نفارو) حصنا في أكبر جزائرها (جمع جزيرة) وهو (مكان برج الفنار اليوم)، يبعد عن المدينة نحو 300 متر ويجعلها دائما تحت تهديد مقذوفاته، وذلك سنة 1510م وضاق أهل الجزائر ذرعا بالإهانة الإسبانية، فاستصرخوا لنجدتهم الأخوين بربروس خير الدين وعروج رايس ،وكانا أشد الناس صلابة في الإيمان وأقواهم شكيمة في البحر فقدما... (إلى) الجزائر وكسرا الإسبانيين بإعانة أهل المدينة شر كسرة سنة 1516 (وعين) خير الدين ملكا على الجزائر وازدانت أيامه بالعدل والخير واعترف حتى أعداؤه بفضائله وكمالاته، وحاول المسيحيون إعادة الكرة على المدينة فردتهم المدينة مذمومين مدحورين في سنة 1519 م، وفي عام 1529 م تمكن خير الدين من الاستيلاء على الحصن الإسباني الذي بقي مهددا للمدينة من البحر وجعله حصنا إسلاميا ....(ومنذ ذلك الحين) أصبحت الجزائر عاصمة للمملكة العظمى التي تشمل القطر الجزائري، وتبسط نفوذها على البلاد التونسية، وكانت (الجزائر) دولة (قوية) يملأ أسطولها البحار رعبا يسالم من سالمه ويحميه ويـفديه، ويحـارب من حاربه ويدمـره...« 

مدينة الجزائر في عيون الرحالة العرب

وقد أفاض في وصفها الرحالة العرب واستوقفت معالمها المؤرخون، وقد وصفها الأصطخري في أوائل القرن الرابع الهجري، فقال: "وجزائر بني مزغنة مدينة عامرة يحف بها طوائف من البربر، وهي من الخصب والسعة على غاية ما تكون المدن" كما وصفها ابن حوقل عندما زارها في عهد بلكين أي حوالي سنة 337 هـ، فقال: " وجزائر بني مزغنة مدينة عليها سور في نحو البحر، وفيها أسواق كثيرة ولها عيون على البحر طيبة، وشربهم منها، ولها بادية كبيرة، وجبال فيها قبائل من البربر كبيرة، وأكثر المواشي من البقر والغنم سائمة في الجبال ولهم من العسل ما يجهز عنهم والسمن والتين ما يقع به وبغيره، من هذه الأسباب الجهاز إلى القيروان وغيرها، ولهم جزيرة تحاذيها في البحر إذا نزل بهم عدو لجأوا إليها، فكانوا بها في منعة وأمن". 
ويصفها البكري في كتابه المسالك والممالك بقوله: »....وهي مدينة جليلة قديمة البنيان، فيها آثار للأول وأزاج محكمة تدل على أنها كانت دار ملك لسالف الأمم«. 
أما ابن زاكور (ت 1120 هـ) الشاعر المغربي المعروف، فقد قدم إلى الجزائر بحرا سنة 1093 هـ، واجتمع بعدد من علمائها وأخذ عنهم واستجازهم، وحصل على الإجازات التي كانت آنذاك بمثابة الشهادات العلمية، ثم عاد إلى بلده ،فيقول في وصف مدينة الجزائر: »وأنه لما من علي المولى الكريم، ذو الفضل السابغ العظيم، بدخول مدينة الجزائر، ذات الجمال الباهر، وحلول مغانيها النواضر، التي غص ببهجتها كل عدو كافر، فلذلك يتربصون بها الدوائر في الموارد والمصادر، ويرسلون عليها صواعق لم تعهد في الزمن الغابر، أبرأني من غليلي ووجدي ما عانيته من روائها العسجدي، وبحرها اللازردي، إذ هي كما قيل: 
بلدٌ أعَارَتْهُ الحَمَامَةُ طوْقَهَا وكساهُ حُلَةً ريشَهُ الطّاوُوسُ 
ما شئت من حدائق، كالنمارق، وقصور نوعُ المحاسن من عليها مقصور، والذي أعارها ذلك المرأى الجميل، وأصارها فضية الصباح عسجدية الأصيل، وألحفها بهجة وإشراقا، وألبسها نضرة وإبراقا وأبدها للعيون آنق من جيرون "
تيهــــــــــــــرت

ازدهرت تيهرت وبلغت شهرتها الآفاق ، وشدت إليها الرحال للتجارة والسكن والعيش الرغيد الآمن ، مما جعل الكتاب والرحالة يقصدونها ويشيدون بها ومن ذلك ما قاله المقدسي واصفا لها فيقول : " ... هي بلخ المغرب ، قد أحدقت بها النهار ، والتفت بها الأشجار ، وغابت في البساتين ، ونبعت حولها العين ، وجل بها الإقليم ، وانتعش فيه الغريب ، واستطابها اللبيب ، يفضلونها على دمشق وأخطأوا ، وعلى قرطبة وما أظنهم أصابوا ، هو بلد كبير ، كثير الخير رحب ، رقيق طيب ، رشيق الأسواق ، غزير الماء ، جيد الأهل ، قديم الوضع ، محكم الرصف ، عجيب الوصف
ولقد اهتم أئمة الدولة الرستمية بالجانب الاقتصادي لدولتهم ، فاهتموا بالزراعة وكانت تكثر فيها البساتين وزراعة الحبوب ، والعصفر والكتان والسمسم ، والنخيل ، ومختلف الفواكه ، والتين والزيتون ، فكانت تدر عليهم أرباحا طائلة ، وقد كانت تكثر فيها الأنهار ، وأقام الرستميون خزانات وأحواض للماء كبيرة اكتشفها الأثريون ، وكانت محكمة التصميم والهندسة ، ليحافظوا على الماء أيام الجفاف ، بل إنهم أوصلوا الماء إلى البيوت عن طريق الأنابيب وشق القنوات . واهتموا كذلك بالرعي وتربية الماشية ، لكثرة المراعي الخصبة في الدولة الرستمية ، فكانوا يربون الغنم والبقر والجمال والخيول والبغال والحمير ، وكانت تجارتها رائجة ، وتصدر إلى الدول المجاورة ، وكانوا يستغلونها في إنتاج الصوف ، قال ابن حوقل يصف الماشية في تيهرت و أحوازها : " وهي أحد معادن الدواب والماشية والغنم والبغال والبراذين الفراهية ، ويكثر عندهم العسل والسمن " 
حتى أن بعضهم كان يمتلك مئات الآلاف من الماشية ، التي كانت عمادا لبيت مال المسلمين ، قال الإمام عبد الوهاب : " لولا أنا ومحمد بن جرني ويبيب بن زلغين لخرب بيت مال المسلمين : أنا بالذهب ، ومحمد بن جرني بالحرث ، وابن زلغين بالأنعام " .

وكذلك كان لهم اهتمام كبير بالصناعة ، فكانت توجد في الدولة الرستمية العديد من الصناعات والحرف كالنجارة والحدادة والخياطة والدباغة والطحن ، وصناعة السفن والقوارب ، وصناعة الزجاج والفخار والتحف والعطور ، والخشب المنحوت والمخطوط والمموه والمرصع بالعاج أو الصدف ، وصناعات الذهب والفضة ، حتى أنها كانت تضرب منها الدراهم والدنانير ، فكانت لها عملاتها الخاصة التي كشفت عنها الآثار .
وقد اهتم الرستميون بالتجارة أيما اهتمام ، فأنشئوا الأسواق في مختلف المدن ، فكانت رائجة بشتى أنواع البضائع والمؤن التي تأتي من داخل الدولة الرستمية نفسها أو من الدول الأخرى عن طريق العلاقات التجارية ، حيث أنه كانت للدولة الرستمية علاقات تجارية مع الكثير من الدول كالأندلس ومصر وبلاد السودان وغيرها من الدول في المشرق والمغرب ، فكانت القوافل التجارية تخرج من الدولة الرستمية محملة بشتى أنواع البضائع والمؤن إلى تلك الدولة ، وتعود كذلك محملة بالبضائع التي تنتج في تلك البلاد ، وكانت تجارة الذهب وبيع الرقيق رائجة في ذلك الوقت ، وللدولة الرستمية نشاط كبير فيها ، ووصل النشاط التجار ي في الدولة الرستمية إلى حد أنه كان يوجد بها التخصص في الأسواق ، فكان بها سوق النحاس ، وسوق الأسلحة ، وسوق الصاغة ، وسوق الأقمشة وغيرها من الأسواق .

وقد قام الأئمة الرستميون بإنشاء بيوت للأموال في مدن الدولة الرستمية ، وبيت مال مركزي في العاصمة تيهرت مع دار للزكاة ، وكانت موارد بيوت المال تختلف عن موارد دار الزكاة ، فدار الزكاة مورده هو أموال الزكاة فقط ، وكانت تصرف أموال الزكاة من هذه الدار لمستحقيها الشرعيين الذين حددهم الله تعالى في كتابه في قوله : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... والله عليم حكيم } التوبة : 6 
وأما دور الأموال فكانت مصادرها الجزية وخراج الأراضي والضرائب والرسوم التي تؤخذ على القوافل التجارية والتجار والحرفيين ، وكانت أموال هذه الدور تسخر في أجور الموظفين في الدولة ، وفي بناء المساجد والطرقات والأسواق ومصالح المسلمين أيضا فإننا نجد أن الرستميين اهتموا بالجانب العلمي والفكري اهتماما كبيرا ، ولا أدل على ذلك أن من الشروط الأساسية في إمام الدولة حتى يتم انتخابه ، أن يكون عالما بأمور الشريعة والسياسة والحكم .
فاهتمت الدولة بإنشاء المؤسسات التعليمية كالكتاب ـ أماكن للتعليم ـ وكذلك إقامة حلق العلم في المساجد سواء في التفسير أو الحديث أو الفقه أو اللغة وغيرها من العلوم ، حتى أن أئمة الدولة الرستمية كانوا يساهمون في التعليم بأنفسهم ولا يأنفون من ذلك أو يتكبرون ، كالإمام عبد الوهاب الذي قضى سبع سنوات يعلم الناس أمور الصلاة في جبل نفوسة ، أو الإمام أفلح الذي دارت عليه أربع حلق للعلم قبل أن يبلغ الحلم .
وكذلك اهتمت الدولة الرستمية بإنشاء المكتبات العلمية الزاخرة بمختلف فنون العلم والآثار ، ومن مكتباتها المشهورة مكتبة " المعصومة " التي كانت تحوي آلافا من المجلدات والكتب ، أوصلها بعض الباحثين إلى ثلاثمائة ألف مجلد ، فكانت تحوي بين رفوفها كتبا في علوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وتوحيد ، وكتبا في الطب والرياضيات والهندسة والفلك والتاريخ واللغة وغيرها من العلوم المختلفة ، ولم تكن كتبها مقتصرة على مذهب بعينه بل كانت تجمع مؤلفات لمختلف المذاهب الإسلامية ، ومن المكتبات المشهور الأخرى " خزانة نفوسة " الجامعة لآلاف الكتب ، وكذلك لم تخل منازل العلماء في الدولة الرستمية من وجود المكتبات الخاصة .
وهذه النهضة العلمية لابد وأن يواكبها نهضة في مجال التأليف ، فحازت الدولة الرستمية قصب السبق في ذلك ، فقدم أئمتها وعلماؤها للأمة الكثير من المؤلفات في مختلف فنون العلم سواء الدينية أم الدنيوية ، وكان أئمة الدولة الرستمية في مقدمة الركب في ذلك ، كالأمام عبد الرحمن الذي ألف كتابا في التفسير ، وكتابا جمع فيه خطبه ، والأمام عبد الوهاب الذي ترك لنا كتابا يعرف بـ " مسائل نفوسة الجبل " ، وأما الإمام أفلح فقد ترك لنا الكثير من المؤلفات والرسائل العلمية منها المطبوع ومنها المخطوط ، وأما الإمام أبو اليقظان فكان من المكثرين في التأليف ومن مؤلفاته " رسالة في خلق القرآن " وغيرها من المؤلفات ، هذا بالنسبة لأئمة الدولة الرستمية ، وأما علماؤها فحدث عنهم في مجال التأليف بلا حرج .
كذلك فإن الدولة الرستمية لم تهمل جانب العلوم العقلية كعلم الكلام وغيره ، فكانت تجري بين العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية والتيارات الفكرية المناظرات والمناقشات العلمية بحرية تامة وبلا تضييق ، وذلك أن الدولة الرستمية عاش في كنفها الكثير من اتباع المذاهب الإسلامية كالإباضية والمعتزلة والصفرية والحنفية والمالكية والشيعة وغيرهم ، بل كان هناك وجود لليهود والنصارى كما ذكرنا .
ويحدثنا ابن الصغير عن ذلك فيقول : " من أتى إلى حلق الإباضية من غيرهم ، قربوه وناظروه ألطف مناظرة ، وكذلك من أتى من الإباضية إلى حلق غيرهم كان سبيله كذلك " ، وابن الصغير نفسه كانت له مناظرات مع علماء الدولة الرستمية من الإباضية .
كذلك نجد أن الدولة الرستمية كان لها اهتمام بالأدب العربي من شعر ونثر ، فأما النثر فيظهر ذلك جليا من خطب أئمة الدولة الرستمية ومراسلاتهم ، وأما الشعر فكان لهم نصيب فيه ولكن ليس كالنثر ، ومن شعراء الدولة الرستمية الإمام أفلح بن عبد الوهاب ، ومن قصائده العصماء تلكم القصيدة في فضل العلم التي يقول في مطلعها :
العلم أبقى لأهـل العلم آثـارا :: وليلهم بشموس العلم قد نـارا 
يحيى به ذكرهم طول الزمان وقد :: يريك أشخاصهم روحا وأبكارا
حي وإن مات ذو علم وذو ورع :: إن كان في منهج الأبرار ما مارا 
ومن شعراء الدولة الرستمية شاعر تيهرت بكر بن حماد الزناتي ، ومن شعره :
قف بالقبـور فنادي الهامدين بهـا :: من أعظم بليت فيها وأجساد
قـوم تقطعت الأسـباب بينهـم :: من الوصال وصاروا تحت أطواد
راحوا جميعا على الأقدام وابتكروا :: فلن يروحوا ولن يغدوا لهم غادي
والله والله لـو ردوا ولو نـطقوا :: إذا لقالوا : التقى من افضل الزاد 
وقد كانت للدولة الرستمية علاقات ثقافية مع بلدان المغرب والأندلس ، ومع بلاد السودان وبلدان المشرق العربي ، فكانت بينهم مراسلات ولقاءات .كذلك فإن الدولة الرستمية تميزت بجمالها المعماري ، فكان بها القصور والبيوت والمساجد والأسواق والفنادق والحمامات يحيط بكل ذلك سور ، وكانت تمر خلالها المياه حتى تصل إلى البيوت ، وقد تفنن الرستميون في بناء دولتهم حتى وصفت بعراق المغرب ، وببلخ المغرب . وقد أطنب المأرخون والرحالة في وصف جمالها وحسنها ، وقد ذكرنا شيئا مما ذكره المقدسي ، ولنستمع إلى ابن الصغير وهو يصف تيهرت في عهد الإمام افلح فيقول : " ... وشمخ في ملكه ، وابتنى القصور ، واتخذ بابا من حديد ، وبنى الجفان ، وأطعم فيها أيام الجفاف ... وعمرت معه الدنيا ، وكثرت الأموال والمستغلات ، وأتته الرفاق والوفود من كل الأمصار والآفاق بأنواع التجارات ، وتنافس الناس في البنيان ، حتى ابتنى الناس القصور والضياع خارج المدينة ، وأجروا النهار ... " .
ومن أشهر مدن الدولة الرستمية : مدينة " تيهرت " العاصمة ، ومدينة " وهران " ومدينة " شلف " ومدينة " الغدير " والمدينة " الخضراء " وغيرها من المدن .
وكان للمرأة دور بارز في الدولة الرستمية ، فأنجبت لنا الدولة الرستمية العديد من العالمات والمصلحات ، كأمثال أخت الإمام أفلح ، وأخت الشيخ عمروس ، اللتان تعدان من عالمات الدولة الرستمية ، ولا أدل على بروز المرأة في المجتمع الرستمي وانتنشار العلم بينهن من كلام أحد أفراد الدولة الرستمية واصفا ذلك فيقول : " معاذ الله أن تكون عندنا أمة لا تعلم منزلة يبيت فيها القمر " هذا بالنسبة للإماء فما بالنا بالحرائر .
كذلك فإن أئمة الدولة الرستمية اهتموا بالجانب العسكري للدولة ونشر الأمن والسلام في ربوعها ، فكانت لهم الجيوش الجرارة التي تحمي الدولة من اعتداء الغاشمين ، وكان لهم الوزراء والولاة والقضاة الذين يعينون الإمام في تسيير دفة الحكم والمحافظة على حقوق الشعب ، وكانت لهم الشرطة التي تحافظ على الأمن والنظام في مدن الدولة الرستمية وأسواقها .
وقد ساهمت الدولة الرستمية مساهمة فعالة في نشر الإسلام في إفريقيا السوداء عن طريق ممارسة التجارة مع تلك المناطق التي لم تكن تعرف الإسلام قبل وصول تجار الدولة الرستمية حاملين معهم مشعل الهداية ، ومن أمثال هؤلاء الدعاة التجار الذي أنجبتهم الدولة الرستمية علي بن يخلف النفوسي الذي كان السبب في إسلام ملك مملكة مالي وشعبه . 

وقد امتدت حدود الدولة الرستمية في فترة من فتراتها الزاهرة من حدود مصر شرقا إلى مدينة تلمسان في أقاصي المغرب الأوسط غرب .
وبعد هذا العمر المديد وهذه الإنجازات الضخمة التي قدمتها الدولة الرستمية للأمة الإسلامية ، هجم عليها أبو عبد الله الشيعي داعية الفاطميين في سنة 296هـ ، فدمرها وعاث فيها فسادا ، وقتل أهلها ، ولم يكتف بذلك ، بل قام بإحراق مكتبة المعصومة بعد أن أخذ منها الكتب الرياضية والصناعية والفنية ، فقضى بذلك على تراث عظيم من تراث الأمة الإسلامية فحسبنا والله ونعم الوكيل .
هذه هي الدولة الرستمية الإسلامية ، والتي للأسف الشديد تجاهلها الكثير من المؤرخين والكتاب القدماء أو المحدثين ، وإذا ذكروها لا يذكرونها إلا بقصد التجني عليها ، وتشويهها والتعتيم على الإنجازات العظيمة التي حققتها خدمة للأمة الإسلامية ، وكل هذا يعود إلى الأهواء السياسية ، و التعصبات المذهبية المقيتة التي عادت على هذه الأمة بالشر والوبال ، بالرغم من أن الدولة الرستمية أظلت بظلها مختلف المذاهب الإسلامية بل والديانات الأخرى ، مصانين الحقوق والكرامة .

ومن أمثال هؤلاء المؤرخين الذين ظلموا الدولة الرستمية ، وكان حري بأمثالهم الإنصاف : ابن عبد الحكيم ( تـ : 257هـ ) صاحب كتاب " فتوح مصر والمغرب والأندلس " ، والبلاذري ( تـ : 279 ) صاحب كتاب " فتوح البلدان " ، وحتى ابن خلدون الذي شهد له بالموضوعية لم يسلم من ذلك .

عنابة

ومن المدن صانعة التاريخ (هيبون) أو بونة، أو بلد العناب، أو عنابة فهذه المدينة تقف اليوم صفحة مشرقة تروي لكل من يقرأها ويتأملها روائع أصحابها القدماء، وتحمل إليه صور الماضي البعيد، وما أقاموه شاهدًا على حضارتهم العريقة التي بلغت أوجها ذات يوم. وتحكي له مآثر أولئك القدماء الذين امتدت رقعة إمبراطوريتهم على مساحات شاسعة من العالم شرقا وغربا، وتحققت لهم الانتصارات تلو الأخرى. وتمتعت مدنهم بالأمن والازدهار والنهضة واتسمت بالفخامة والجمال في البناء ثم رحلوا عنها ولم يبقى إلا آثارهم لتكون عبرة لمن بعدهم.

وهو ما يفهم منه أن مدينة (بونة) عنابة أدت دورًا تاريخيا عبر العصور والأجيال. فهي مدينة وميناء من أهم الموانئ على ضفة البحر المتوسط في التاريخ القديم – وحتى في التاريخ المعاصر أيضا – وأسهمت في ازدهار الحضارة الفينيقية والرومانية، وزرعت وجودها العمراني والتجاري والحضاري في البحر الأبيض المتوسط. ولعله لم يكن ليحدث هذا لو لا موقع بونة الاستراتيجي على البحر ومركزها عند ملتقى خطوط المواصلات والتجارة البرية والبحرية. ومن ثم لا نعدم قول القـائل إن مـوقع المدن » ذو تأثير كبير على مصير الإنسان ورخائه ونموه الاجتماعي وتطوره الحضاري عبر القرون(...)، ومن ثم على تكييف صلاته مع العالم الخارجي، وتفاعله مع مختلف الشعوب التي جاءت إلى هذه البلاد للتجارة أو للاستعمار أو لنشر المبادئ والإيديولوجية «. وهو ما نستخلصه من أقوال الرحالة والجغرافيين العرب والغربيين وأصافهم.
وقبل إيراد ذلك أو سرده أو التذكير بأن وصف الرحالة والجغرافيين للمدن لا يختلف كثيرًا عن وصف السائحين اليوم للمدن التي يزورونها إلا أنهم – أي القدماء – قيلا ما يذكرون عدد السكان والمساحة. وإنما كان همهم – فيما يبدو لي – تعداد أو وصف ما في تلك المدن من الحصون والجوامع والكنائس، والحمامات والشـوارع، والأسـواق والحيوانات والنتاج الزراعي والصناعي، والطبيعة المحيطة بذلك.

ومن الذين مروا على بونة أو نزلوا بها وأقاموا، أو وصفوها اعتمادًا على ما نقلوه من مـؤلفات الذين سبقوهم :
ابن حوقل النصيبي (تـ367ﻫ) : فقد جاب هذا الرحالة (التاجر) في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) مختلف أقطار الأرض لأجل الدرس والتجارة والكسب، ومنه أقطار المغرب العربي شرقا وغربا، شمالا وجنوبا ولم تكن زيارته زيارة عابر سبيل، بل كانت مناسبة للدرس والتأمل فسجل لنا ملاحظات نعدها من أهم ما وصلنا في وصف المغرب منذ الفتح الإسلامي. وأكثر ما عني به الناحية الاقتصادية للمدن وللمناطق التي زارها، بحكم مهنة التجـارة التي كـان يمارسها. يقول في وصف بونة : » ومدينة بونة مدينة مقتدرة، ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة (...) وهي على نحر البحر، 
تلمسان
 
لقد أبهرت تلمسان منذ أن تأسست كحاضرة من أهم حواضر المغرب العربي كل من زارها من الرحالة وطلاب العلم والموفدين إليها من السفراء من المشرق والمغرب واللاجئين إليها بحثا عن الآمان. ولم يتردد هؤلاء في وصفها في كتبهم وسفراتهم ، فأكثروا في مدحها وأطنبوا في إظهار جمال منشآتها العمرانية وحسن تخطيطها وتطور حضارتها. وقد استهوت تلمسان حتى أولئك الذين تعرفوا عليها في كتب الآخرين ولم يزوروها، لما تمتعت به من شهرة طيبة وإشعاع باهر.
ومن بين الذين وصفوا لنا تلمسان بشيء من التفصيل والاهتمام بموقعها الجغرافي ومنشآتها المدنية والعسكرية والدينية الرحالة العمري المتوفى سنة 749هـ، فقال:
" وأما تلمسان وهي قاعدة الملك الذي فتحه هذا السلطان بسيفه، واستضافه إلى ملكه، قال الشريف في كتاب روجار وهي في سفح جبل وبها آثار الأول، وماؤها مجلوب من عيون على ستة أميال، ولها أسواق ضخمة، ومساجد جامعة، وأنهار وأشجار، وشجر الجوز كثير بها، وفيها المشمش المقارب في حسنه لمشمش دمشق وعلى نهرها الأرحاء ، ويصب نهرها في بركة عظيمة من آثار الأول، ويسمع لوقعه خرير على مسافة ثم يصب في نهر آخر بعدما يمر على البساتين، ويستدير بقبليها وشرقيها، وتدخل فيه السفن اللطاف حيث يصب في البحر.
وهي دار علم متوسطة في قبائل البربر، ومقصد تجار الآفاق، زكية الأرض من الزرع والضرع، وبها حصون كثيرة، وفرض عديدة أشهرها فرضة هنين وهي قبالة المرية (من الأندلس) ووهران (في شرقي تلمسان شمال قليل على مسيرة يوم من تلمسان، ومستغانم تقابل دانية من الأندلس).
وتلمسان على ما بلغ حد التواتر في غاية المنعة والحصانة مع أنها في وطاءة لكنها محصنة البناء، ولقد أقام أبو يعقوب يوسف عم هذا السلطان أبي الحسن نحو عشر سنين وبنى عليها مدينة سماها تلمسان جديدة ثم مات، وسمى أهل تلمسان تلك السنة سنة الفرج حتى كتبوا في سكتهم ونقشوا: ما أقرب فرج الله، وشرع حينئذ أبو حمو بعد إتمام سنة من الفرج من رحيل بني مرين عنها، وهو والد سلطانها أبي تاشفين المأخوذة منه في تحصيل قوتها، وتحصين أسوارها، ولم يدع ما يحتاج إليه المحاصر لعدة سنين كثيرة حتى حصله من الأقوات والآلات حتى سليت الشحوم، وتمليت بها الصهاريج وملئت أبراج المدينة بالملح والفحم والحطب واختزن داخل المدينة كلها زرع، ومات أبو حمو وولي بعده أبو تاشفين فزادها تحصيلا من الأقوات، وتحصينا من الأسوار والآلات، وبنى بها البناءات العجيبة الشكل ، والقباب الغريبة المثل، والبرك المتسعة، والقصور المنيفة، وغرس فيها بساتين، غرس بها من سائر أنواع الثمار إلى أن حاصر بجاية ونازلها وبنى عليها، فاستنجد الموحدون المريني، فأرسل إليه العلماء الصلحاء والأعيان، وندبوه إلى الصلح بينهم فأبى إلا عتوا وفسادا، فنهض إليه أبو الحسن وحاصره أشد حصار، وبنى عليه مدينة سماها المنصورة، وبقي أربع سنين محاصرا لها، مضيقا عليها آخذا بخناقها، ونصب عليها المجانيق وأخذ عليها المسالك من كل جهة، ولم يدع طريقا للداخل إليها ولا لخارج منها، وسلطانها أبو تاشفين وجميع أهلها في ضيق الخناق معهم، ولا يفك لهم وثاق، ولا يحل لهم خناق، ولا تبرق لديهم بارقة خلاص، وكانوا مع هذا التشديد الشديد في غاية الامتناع، لحصانة بلدهم وكثرة ما بها من الماء والأقوات، وكان في المدينة عين ماء لا يقوم بكفايتها، وكان يجري إليها الماء من عين خارجة عن البلد لم يعرف لها (أحد) منبعا أخفيت بكثرة البناء المحكم، ولم يظهر لها على علم إلى أن خرج أحد من يعرفها من البنائين المختصين بسلطانها الكاشف عنها حين بنائها، فأظهرها للسلطان أبي الحسن وكشف عنها فقطعها عنهم، وأبعدها منهم، وصرفها إلى جهة أخرى فقنعوا بالعين التي في داخل بلدهم، واكتفوا بالبلالة، ولم يظهر منهم وهن ولا خور لانقطاع الميرة لما كان عندهم من المخزون حتى قدائد اللحوم ومسليات الشحوم ولم يتغير طعمها لأن بلاد الغرب مخصوصة بطول مكث المخزونات بها، فإنه ربما بقي القمح والشعير في بعض أماكنها ستين سنة لا يتغير ولا يسوس ثم يخرج بعد خزن هذه المدة الطويلة فيزرع وينبت وخصوصا تلمسان في بر العدوة، وطليطلة في الأندلس."
"...ونعود إلى ذكر تلمسان، فنقول: إنها منحرفة إلى الجنوب الشرقي من فاس، ولها ثلاثة أسوار ومن جهة القصبة ستة أسوار بعضها داخل بعض، ولم يهجس بخاطر أنها تؤخذ ولكن بسم الله لهذا السلطان أبي الحسن المريني صعبها وذلك له إباءها حتى ملك ناصيتها، وبلغ دانيتها وقاصيتها، وإذ قد ذكرنا قواعد الملك الثلاث فلنذكر ما لا بأس بذكره من هذه البلاد".

التخطيط العمراني لتلمسان في العهد الزياني 
لم تشهد مدينة تلمسان حديثا حفريات ولا تنقيب في ميدان العمران والآثار بالشكل والحجم الذي كان يفترض أن يكون في مدينة كلها آثار، ولذلك يعاني الباحثون من صعوبة التعامل مع المعطيات العمرانية والأثرية لعدم توفرها. وأمام هذه الندرة، يلجأ الباحث إلى دراسة المخطط العمراني والبنية الداخلية لمدينة تلمسان من خلال النصوص التاريخية التي تتناول جلها العهد الزياني، والمصنفات العامة والخاصة بتاريخ بني زيان وحضارتهم، وكذلك باللجوء إلى بعض الدراسات والأبحاث الميدانية الحديثة، على قلتها وندرتها وغموض بعضها.
ولا يسعنا في مثل هذه الحالة إلا أن ننبه إلى أن بعض المعلومات قد تكون تقريبية ولا سيما فيما يتعلق بتحديد أماكن الأحياء، والدروب والأزقة والقصور، التي وردت أسماؤها في هذه النصوص لاندثارها وزوال معالمها العمرانية، بسبب يد الإنسان وفعل الزمان الذي عبث بها.
لا تختلف تلمسان في تخطيطها عن المدن الإسلامية في المغرب والمشرق، فهي تحمل نفس الصفات العمرانية وتتسم ببنية داخلية مشابهة. تتميز المدينة الإسلامية عموما في بلاد المشرق والمغرب بسمات مشتركة، بغض النظر عن الخصوصيات التي تفرضها البيئة الطبيعية والتقاليد المحلية، لأن تشييد المدينة الإسلامية مرتبط بضوابط وشروط معمارية أساسية. ولم تخرج تلمسان عن هذا النمط، فوجدت بها تلك المعالم العمرانية الأساسية وعلى رأسها:
أولا: المسجد الجامع: 

ويعتبر النواة الأولى للعمران، ويقع في وسط المدينة، وهو مكان لأداء فريضة الصلاة، ومقر لاجتماع سكان المدينة لتداول أمورهم الاجتماعية والاقتصادية وتعليم أبنائهم مختلف العلوم العقلية والنقلية.
ثانيا: القصبة: 
وهي الحي الذي يسكنه الأمير، أو السلطان وأسرته وحاشيته وجنده، مكونة من مباني مخصصة لهذه الطبقة الاجتماعية المرموقة التي تتصدر الهرم الاجتماعي في المدينة وتتربع عليه ولها أبواب خاصة بها.
ثالثا: الأسوار: 
تحيط هذه الأسوار بالمدينة، وتدور حولها من جميع الجهات وهي التي تفصلها عن البادية والحقول الزراعية وتحميها من الغزاة.
رابعا: الأبواب: 
تتضمن أسوار المدينة عدة أبواب، تربطها بالبادية من عدة جهات وتراقب فيها حركة المتنقلين من التجار والقوافل التجارية. وجرت العادة عند المسلمين أن يؤسسوا أبوابا في اتجاه المدن الكبيرة سواء داخل 
القطر أو خارجه، ويسمونها في بعض الأحيان بأسماء هذه المدن

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

افلام اون لاين